للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ مُحْسِنًا فَقَدْ اجْتَمَعَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ صَالِحًا وَلَا يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ شَيْئًا. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْإِحْسَانُ: وَهُوَ فِعْلُ الْحَسَنَاتِ وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ هُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؛ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَنْ أَخْلَصَ قَصْدَهُ لِلَّهِ وَكَانَ مُحْسِنًا فِي عَمَلِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ سَالِمٌ مِنْ الْعِقَابِ. وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ يَجْمَعُونَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ؛ كَقَوْلِ الْفُضَيْل ابْنِ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ فَقِيلَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ فَقَالَ: إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ. وَإِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا. وَالْخَالِصُ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ واللالكائي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ. وَرَوَيَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِثْلَهُ وَلَفْظُهُ: " لَا يَصْلُحُ " مَكَانَ يُقْبَلُ. وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ كَافِيًا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ إذْ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٍ؛ لَا بُدَّ مِنْ هَذَيْنِ كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبَيَّنَّا أَنَّ مُجَرَّدَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ