للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُمَيَّةَ نَائِمًا عَلَى رِدَاءٍ لَهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ لِصٌّ فَسَرَقَهُ فَأَخَذَهُ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعَلَى رِدَائِي تَقْطَعُ يَدَهُ؟ أَنَا أَهَبُهُ لَهُ. فَقَالَ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ} رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ يَعْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّك لَوْ عَفَوْت عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ لَكَانَ فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ رُفِعَ إلَيَّ فَلَا. فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْحَدِّ لَا بِعَفْوِ وَلَا بِشَفَاعَةِ وَلَا بِهِبَةِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَاللِّصَّ وَنَحْوَهُمَا إذَا رُفِعُوا إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ثُمَّ تَابُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْهُمْ؛ بَلْ تَجِبُ إقَامَتُهُ وَإِنْ تَابُوا فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ الْحَدُّ كَفَّارَةً لَهُمْ كَانَ تَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ - بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا؛ وَالتَّمْكِينُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَصَّاصِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَأَصْلُ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ إعَانَةُ الطَّالِبِ حَتَّى يَصِيرَ مَعَهُ شَفْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ وِتْرًا فَإِنْ أَعَانَهُ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوَى كَانَتْ شَفَاعَةً حَسَنَةً وَإِنْ أَعَانَهُ عَلَى إثْمٍ وَعُدْوَانٍ كَانَتْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً وَالْبِرُّ مَا أَمَرْت بِهِ وَالْإِثْمُ مَا نَهَيْت عَنْهُ. وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.