للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةِ تَبُوكَ عَامَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ عَزَّ الْإِسْلَامُ وَظَهَرَ. فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ وَوَصَفَهُمْ فِيهَا بِالْجُبْنِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ. وَوَصَفَهُمْ بِالْبُخْلِ عَنْ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالشُّحِّ عَلَى الْمَالِ. وَهَذَانِ دَاءَانِ عَظِيمَانِ: الْجُبْنُ وَالْبُخْلُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ} حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَلِهَذَا قَدْ يَكُونَانِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَقَالَ تَعَالَى. {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} . وَأَمَّا وَصْفُهُمْ بِالْجُبْنِ وَالْفَزَعِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ وَإِنْ حَلَفُوا إنَّهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا هُمْ مِنْهُمْ؛ وَلَكِنْ يَفْزَعُونَ مِنْ الْعَدُوِّ. فـ {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} يَلْجَئُونَ إلَيْهِ مِنْ الْمَعَاقِلِ وَالْحُصُونِ الَّتِي يَفِرُّ إلَيْهَا مَنْ يَتْرُكُ الْجِهَادَ أَوْ (مَغَارَاتٍ وَهِيَ جَمْعُ مَغَارَةٍ. وَمَغَارَاتٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَغُورُ فِيهَا أَيْ يَسْتَتِرُ؛ كَمَا يَغُورُ الْمَاءُ. أَوْ مُدَّخَلًا