للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَى النَّاسَ بِهَذِهِ الْفِتْنَةِ لِيَجْزِيَ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَهُمْ الثَّابِتُونَ الصَّابِرُونَ لِيَنْصُرُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. وَنَحْنُ نَرْجُو مِنْ اللَّهِ أَنْ يَتُوبَ عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْمُومِينَ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ نَدِمَ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ. وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ لِلتَّوْبَةِ بَابًا مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ عَرْضُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. لَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي - مِنْهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْخَنْدَقِ: {الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا} فَمَا غَزَتْ قُرَيْشٌ وَلَا غطفان وَلَا الْيَهُودُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهَا؛ بَلْ غَزَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ: فَفَتَحُوا خَيْبَرَ ثُمَّ فَتَحُوا مَكَّةَ. كَذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - هَؤُلَاءِ الْأَحْزَابُ مَنَّ الْمَغُولِ وَأَصْنَافِ التُّرْكِ وَمِنْ الْفُرْسِ والمستعربة وَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْخَارِجِينَ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ: الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا. وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مَرَضٌ أَوْ نِفَاقٌ بِأَنْ يُنِيبُوا إلَى رَبِّهِمْ وَيُحْسِنَ ظَنُّهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَتَقْوَى عَزِيمَتُهُمْ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ. فَقَدْ أَرَاهُمْ اللَّهُ مِنْ الْآيَاتِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ كَمَا قَالَ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} .