للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ اللَّهَ صَرَفَ الْأَحْزَابَ عَامَ الْخَنْدَقِ بِمَا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِيحِ الصبا: رِيحٌ شَدِيدَةٌ بَارِدَةٌ. وَبِمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حَتَّى شَتَّتَ شَمْلَهُمْ وَلَمْ يَنَالُوا خَيْرًا. إذْ كَانَ هَمُّهُمْ فَتْحُ الْمَدِينَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَعَلَى الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ كَمَا كَانَ هَمَّ هَذَا الْعَدُوُّ فَتْحَ الشَّامِ وَالِاسْتِيلَاءَ عَلَى مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَدَّهُمْ اللَّهُ بِغَيْظِهِمْ حَيْثُ أَصَابَهُمْ مِنْ الثَّلْجِ الْعَظِيمِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ وَالْجُوعِ الْمُزْعِجِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَكْرَهُ تِلْكَ الثُّلُوجَ وَالْأَمْطَارَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي هَذَا الْعَامِ حَتَّى طَلَبُوا الاستصحاء غَيْرَ مَرَّةٍ. وَكُنَّا نَقُولُ لَهُمْ: هَذَا فِيهِ خَيْرَةٌ عَظِيمَةٌ. وَفِيهِ لِلَّهِ حِكْمَةٌ وَسِرٌّ فَلَا تَكْرَهُوهُ. فَكَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ: أَنَّهُ فِيمَا قِيلَ: أَصَابَ قازان وَجُنُودَهُ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ وَهُوَ كَانَ فِيمَا قِيلَ: سَبَبُ رَحِيلِهِمْ. وَابْتُلِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ مِمَّنْ يَفِرُّ عَنْ طَاعَتِهِ وَجِهَادِ عَدُوِّهِ. وَكَانَ مَبْدَأُ رَحِيلِ قازان فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَأَرَاضِي حَلَبَ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى يَوْمَ دَخَلَتْ مِصْرَ عَقِيبَ الْعَسْكَرِ وَاجْتَمَعَتْ بِالسُّلْطَانِ وَأُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِالْجِهَادِ مَا أَلْقَاهُ. فَلَمَّا ثَبَّتَ اللَّهُ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَ الْعَدُوَّ جَزَاءً مِنْهُ وَبَيَانًا أَنَّ النِّيَّةَ الْخَالِصَةَ وَالْهِمَّةَ الصَّادِقَةَ يَنْصُرُ اللَّهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ الدِّيَارُ.