كَانَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: {أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ} مُطْلَقًا فَالتَّعْرِيفُ لِلْكِرَاءِ الْمَعْهُودِ بَيْنَهُمْ. وَإِذَا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَا تكروا الْمَزَارِعَ} " فَإِنَّمَا أَرَادَ الْكِرَاءَ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ كَمَا فَهِمُوهُ مِنْ كَلَامِهِ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَقْصُودِهِ. وَكَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْهُ: " أَنَّهُ رَخَّصَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْكِرَاءِ " وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَا قَرَنَ بِهِ النَّهْيَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَنَحْوِهَا. وَاللَّفْظُ - وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا - فَإِنَّهُ إذَا كَانَ خِطَابًا لِمُعَيَّنٍ فِي مِثْلِ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالٍ أَوْ عَقِبَ حِكَايَةِ حَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ مُقَيَّدًا بِمِثْلِ حَالِ الْمُخَاطَبِ. كَمَا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِلطَّبِيبِ: إنَّ بِهِ حَرَارَةً. فَقَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ الدَّسَمَ. فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِتِلْكَ الْحَالِ. وَذَلِكَ: أَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ إذَا كَانَ لَهُ مُسَمًّى مَعْهُودٌ أَوْ حَالٌ يَقْتَضِيهِ: انْصَرَفَ إلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً كالمتبايعين إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْتُك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي اللَّفْظِ ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. فَإِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُونَ لَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ لَفْظَ " الْكِرَاءِ " إلَّا لِذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ثُمَّ خُوطِبُوا بِهِ: لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا إلَى مَا يَعْرِفُونَهُ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ الْعُرْفِيِّ كَلَفْظِ " الدَّابَّةِ " إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ الْفَرَسُ أَوْ ذَوَاتُ الْحَافِرِ. فَقَالَ: لَا تَأْتِنِي بِدَابَّةِ: لَمْ يَنْصَرِفْ هَذَا الْمُطْلَقُ إلَّا إلَى ذَلِكَ. وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُقَيَّدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute