بِالْعُرْفِ وَالسُّؤَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَعَنْ ظهير بْنِ رَافِعٍ قَالَ: " {دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْت نُؤَاجِرُهَا بِمَا عَلَى الرَّبِيعِ وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ: لَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا} ". فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ الْمَحْضَةُ: فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّهْيُ وَلَا ذَكَرَهَا رَافِعٌ وَغَيْرُهُ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عِنْدَهُمْ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الْكِرَاءِ الْمُعْتَادِ؛ فَإِنَّ الْكِرَاءَ اسْمٌ لِمَا وَجَبَ فِيهِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ إمَّا عَيْنٌ وَإِمَّا دَيْنٌ. فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَضْمُونًا فَهُوَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ الزَّرْعِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ.
فَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ جَمِيعِ الزَّرْعِ فَلَيْسَ هُوَ الْكِرَاءَ الْمُطْلَقَ؛ بَلْ هُوَ شَرِكَةٌ مَحْضَةٌ. إذْ لَيْسَ جَعْلُ الْعَامِلِ مُكْتَرِيًا لِلْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الزَّرْعِ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْمَالِكِ مُكْتَرِيًا لِلْعَامِلِ بِالْجُزْءِ الْآخَرِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا كِرَاءً أَيْضًا. فَإِنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. فَأَمَّا الْكِرَاءُ الْخَاصُّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ رَافِعٌ وَغَيْرُهُ فَلَا وَلِهَذَا السَّبَبِ بَيَّنَ رَافِعٌ أَحَدَ نَوْعَيْ الْكِرَاءِ الْجَائِزِ وَبَيَّنَ النَّوْعَ الْآخَرَ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلشَّرِكَةِ لِأَنَّهَا جِنْسٌ آخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute