للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ وَإِلَّا فَلْيُمْسِكْهَا} " أَمْرٌ - إذَا لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْ الزَّرْعِ وَالْمَنِيحَةِ - أَنْ يُمْسِكَهَا. وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْمُؤَاجَرَةِ وَمِنْ الْمُزَارَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَيُقَالُ: الْأَمْرُ بِهَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ؛ لَا أَمْرُ إيجَابٍ أَوْ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَنْزَجِرُوا عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ فِي الْآنِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَهَا فِيهَا: " {أهريقوا مَا فِيهَا وَاكْسِرُوهَا} ". وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُ عَنْهَا أَبُو ثَعْلَبَةَ الخشني: " {إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ} " وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّفُوسَ إذَا اعْتَادَتْ الْمَعْصِيَةَ فَقَدْ لَا تَنْفَطِمُ عَنْهَا انْفِطَامًا جَيِّدًا إلَّا بِتَرْكِ مَا يُقَارِبُهَا مِنْ الْمُبَاحِ. كَمَا قِيلَ: " لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنْ الْحَلَالِ " كَمَا أَنَّهَا أَحْيَانًا لَا تُتْرَكُ الْمَعْصِيَةُ إلَّا بِتَدْرِيجِ؛ لَا تَتْرُكُهَا جُمْلَةً. فَهَذَا يَقَعُ تَارَةً وَهَذَا يَقَعُ تَارَةً. وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ النَّفْرَةُ عَنْ الطَّاعَةِ: الرُّخْصَةُ لَهُ فِي أَشْيَاءَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلِمَنْ وَثِقَ بِإِيمَانِهِ وَصَبْرِهِ: النَّهْيُ عَنْ بَعْضِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ مُبَالَغَةً فِي فِعْلِ الْأَفْضَلِ. وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَثِقَ بِإِيمَانِهِ