عَبَّاسٍ يَقُولُ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ} وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، فَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُجَوِّزُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَوَّزَ بَيْعَ دَيْنِ السَّلَمِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا مِنْ الْبَائِعِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ؛ بَلْ لَيْسَ هُنَا قَبْضٌ؛ لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ ثُمَّ إعَادَتُهُ إلَيْهِ وَهَذَا مِنْ فِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَالِكٌ جَعَلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَمَنَعَ بَيْعَ الطَّعَامِ الْمُسْلَفِ فِيهِ مِنْ الْمُسْتَلِفِ وَأَحْمَد لَمْ يَجْعَلْهُ كَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ؛ بَلْ جَوَّزَهُ بِغَيْرِ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ كَمَا أَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكَرِهَهُ لِئَلَّا يُشْبِهَ بَيْعَ الْمَكِيل بِالْمَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ إذَا كَانَ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ التَّقَابُضِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. وَأَمَّا إذَا أَخَذَ عَنْهُ مِنْ جِنْسِهِ بِقَدْرِ مَكِيلِهِ مَا هُوَ دُونَهُ فَجَوَّزَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْجِنْسِ؛ لَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ كَمَا يَسْتَوْفِي عَنْ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ. وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ قَدْ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ وَلِهَذَا فِي جَوَازِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute