للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الْأَرْضِ بِجُزْءِ مِنْ الزَّرْعِ وَضَارَبَهُ عَلَى النَّقْدِ بِجُزْءِ مِنْ الرِّبْحِ فَقَدْ جُعِلَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ بَابِ النَّمَاءِ وَالْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ بِبَدَنِ هَذَا وَمَالِ هَذَا. وَاَلَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي عَمَلٌ فِي حُصُولِهِ أَصْلًا؛ بَلْ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ حَتَّى حَصَلَ لَهُ ثَمَرٌ وَزَرْعٌ. كَانَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الزَّرْعُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الثَّمَرَةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ فِي الْوَقْفِ وَالْعَارِيَةِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الشَّجَرَ لِيَنْتَفِعَ أَهْلُ الْوَقْفِ بِثَمَرِهَا كَمَا يَقِفُ الْأَرْضَ لِيَنْتَفِعُوا بِمُغَلِّهَا وَيَجُوزُ إعْرَاءُ الشَّجَرِ كَمَا يَجُوزُ إفْقَارُ الظَّهْرِ وَعَارِيَةُ الدَّارِ وَمَنِيحَةُ اللَّبَنِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبَرُّعٌ بِنَمَاءِ الْمَالِ وَفَائِدَتِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ دَفَعَ عَقَارَهُ إلَى مَنْ يَسْكُنُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى مَنْ يَرْكَبُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ شَجَرَهُ إلَى مَنْ يَسْتَثْمِرُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَزْرَعُهَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ دَفَعَ النَّاقَةَ وَالشَّاةَ إلَى مَنْ يَشْرَبُ لَبَنَهَا. فَهَذِهِ الْفَوَائِدُ تَدْخُلُ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ مُحْبَسًا كَالْوَقْفِ أَوْ غَيْرَ مُحْبَسٍ. وَتَدْخُلُ أَيْضًا فِي عُقُودِ الْمُشَارَكَاتِ فَكَذَلِكَ تَدْخُلُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْيَانَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا هِيَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا جَازَتْ إجَارَةُ الظِّئْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ.