للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. فَلَوْ كَانَ خَصْمُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ - سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَشْهَرِ الطَّوَائِفِ بِالْبِدَعِ كَالرَّافِضَةِ - لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْحُجَّةَ وَيَعْدِلَ عَمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ كَانَ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ دَع (١) وَالْمُنَازِعُونَ لَهُ - كَمَا ادَّعَاهُ - هُمْ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ أَعْلَمُ مِنْهُ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ فِي كَلَامِهِ وَرَدِّهِ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةِ أَصْلًا لَا حُجَّةً سَمْعِيَّةً وَلَا عَقْلِيَّةً. وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ تَقْلِيدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - قَدْ خَالَفَهَا أَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - فَقَلَّدَهُمْ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ كَمَا فَعَلَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ. وَمَنْ يَرُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالْمَعْقُولِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ حُجَّةً عَقْلِيَّةً وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَحَالَ النَّاسَ عَلَى الْمَجْهُولَاتِ كَمَعْصُومِ الرَّافِضَةِ وَغَوْثِ الصُّوفِيَّةِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: " إنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ لَا يُحَدِّثُونَ " فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ لِيَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ. فَمَنْ الَّذِي أَسْقَطَ اللَّهُ مُخَاطَبَتَهُ مِنْ النَّاسِ؟ دَعْ مَنْ تَعْرِفُ أَنْتَ وَغَيْرُك مِمَّنْ فَضَّلَهُمْ اللَّهُ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَلَوْ أَرَادَ سَفِيهٌ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّادِّ بِمِثْلِ رَدِّهِ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إنَّهُمْ يُكَابِرُونَ الْعُقُولَ ". فَنَقُولُ: الْمُكَابَرَةُ لِلْعُقُولِ


(١) كذا بالأصل