إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي إثْبَاتِ مَا أَثْبَتُوهُ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي تَنَاقُضِهِمْ بِجَمْعِ (١) مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَنَفْيِ الْجَوَارِحِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَبَاطِلٌ. فَإِنَّ الْمُجَسِّمَةَ الْمَحْضَةَ الَّتِي تُصَرِّحُ بِالتَّجْسِيمِ الْمَحْضِ وَتَغْلُو فِيهِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إنَّ قَوْلَهَا مُكَابَرَةٌ لِلْعُقُولِ وَلَا قَالَ أَحَدٌ. إنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ؛ بَلْ الَّذِينَ رَدُّوا عَلَى غَالِيَةِ الْمُجَسِّمَةِ - مِثْلِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَشِيعَتِهِ - وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ إلَّا بِحُجَجِ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ. وَالْمُنَازِعُ لَهُمْ - وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَقُولُهُ - فَقَدْ قَابَلَهُمْ بِنَظِيرِ حُجَجِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا عَلَيْهِ بِأَظْهَرَ مِنْهُ عَلَيْهِمْ إذْ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ حَقٌّ وَبَاطِلٌ. وَإِذَا كَانَ مِثْلُ " أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ " إنَّمَا يَعْتَمِدُ فِي نَفْيِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ نفاة النُّظَّارِ فَأُولَئِكَ لَا يَكَادُونَ يَزْعُمُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَنَّهُ مُكَابَرَةٌ لِلْمَعْقُولِ؛ حَتَّى جاحدوا الصَّانِعَ الَّذِينَ هُمْ أَجْهَلُ الْخَلْقِ وَأَضَلُّهُمْ وَأَكْفَرُهُمْ وَأَعْظَمُهُمْ خِلَافًا لِلْعُقُولِ لَا يَزْعُمُ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ انْتَصَرَ بِهِمْ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّ قَوْلَهُمْ مُكَابَرَةٌ لِلْمَعْقُولِ بَلْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعِلْمَ بِفَسَادِ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَهَذَا الْقَوْلُ - وَإِنْ كَانَ يَقُولُهُ جُلُّ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - فَلَيْسَ هُوَ طَرِيقَةً مَرْضِيَّةً. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ لَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعِلْمَ بِفَسَادِ
(١) هكذا بالأصل والمطبوعة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute