وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ - فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ يَصِيرُونَ تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ وَيَكُونُ ثَوَابُهُمْ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ. وَهَلْ فِيهِمْ رُسُلٌ أَمْ لَيْسَ فِيهِمْ إلَّا نُذُرٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ: فِيهِمْ رُسُلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} . وَقِيلَ: الرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ؛ وَالْجِنِّ فِيهِمْ النُّذُرُ وَهَذَا أَشْهَرُ؛ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِاتِّبَاعِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ {وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} الْآيَةَ قَالُوا وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} كَقَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِحِ وَكَقَوْلِهِ {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وَالْقَمَرَ فِي وَاحِدَةٍ. وَأَمَّا التَّكْلِيفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ: فَدَلَائِلُهُ كَثِيرَةٌ مِثْلُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْت مَعَهُ فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَانْطَلَقُوا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِكُمْ أَوْفَرُ مَا يَكُونُ وَكُلُّ بَعْرَةِ عَلَفٍ لِدَوَابِّكُمْ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْتَنْجُوا بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ} وَذَلِكَ لِئَلَّا يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ وَعَلَفَهُمْ وَهُنَا يُبَيِّنُ أَنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ دُونَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute