الْعِبْرَةَ بِتَعْيِينِ الْأَبِ كَانَ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْفَسَادِ وَالضَّرَرِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَخْفَى فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا؛ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا} وَفِي رِوَايَةٍ: {الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا} . فَلَمَّا جَعَلَ الثَّيِّبَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا؛ بَلْ الْوَلِيُّ أَحَقُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْأَبِ وَالْجَدِّ. هَذِهِ عُمْدَةُ الْمُجْبِرِينَ وَهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَظَاهِرِهِ؛ وَتَمَسَّكُوا بِدَلِيلِ خِطَابِهِ؛ وَلَمْ يَعْلَمُوا مُرَادَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا} يَعُمُّ كُلَّ وَلِيٍّ وَهُمْ يَخُصُّونَهُ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ. " والثَّانِي " قَوْلُهُ: {وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ} وَهْم لَا يُوجِبُونَ اسْتِئْذَانَهَا؛ بَلْ قَالُوا: هُوَ مُسْتَحَبٌّ حَتَّى طَرَدَ بَعْضُهُمْ قِيَاسَهُ؛ وَقَالُوا لَمَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا اكْتَفَى فِيهِ بِالسُّكُوتِ وَادَّعَى أَنَّهُ حَيْثُ يَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْبِكْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ. وَهَذَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ؛ وَلِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ؛ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ قَبْلَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ أَخُوهَا أَوْ عَمُّهَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْذِنُهَا؛ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا. وَأَمَّا الْمَفْهُومُ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ؛ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ لَفْظَ " الْإِذْنِ " وَفِي هَذِهِ لَفَظَ " الْأَمْرِ " وَجَعَلَ إذْنَ هَذِهِ الصُّمَاتَ؛ كَمَا أَنَّ إذَنْ تِلْكَ النُّطْقُ. فَهَذَانِ هُمَا الْفَرْقَانِ اللَّذَانِ فَرَّقَ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْبِكْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute