مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يَفْسُقُ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ. وَأَحْمَد لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ. وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَبِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} . وَأَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الْآيَةُ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ: أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظُ " الْعَمَّةِ " عَمَّةَ الْأَبِ؛ وَالْأُمِّ وَالْجَدِّ. وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ. وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ. وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute