" الثَّانِي " أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرِمُ مِنْ الْوِلَادَةِ} وَفِي لَفْظٍ {مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ} وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ بِهِ: فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلِ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ. فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَهُ مِنْ الرِّضَاعِ وَلَا يَثْبُتَ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنِ دُرَّ بِوَطْئِهِ فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى وَقِيَاسِ الْأَوْلَى. " الثَّالِثُ " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ كَمَا قَالَ: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يستلحقون وَلَدَ الزِّنَا أَعْظَمَ مِمَّا يستلحقون وَلَدَ الْمُتَبَنِّي فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَصْلَابِكُمْ} عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " الْبَنَاتِ " وَنَحْوِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِمْ دَاخِلًا فِي الِاسْمِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا الْمِيرَاثُ وَنَحْوُهُ. فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute