ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابٍ بَعْدَهُ: وَقَالَ: ابْنُ جريج: قُلْت لِعَطَاءِ: امْرَأَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} ؟ قَالَ: لَا. إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ فُصُولٌ. " أَحَدُهَا " أَنَّ الْمُهَاجِرَةَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ؛ إنَّمَا عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلزَّوْجِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا تَتَدَاخَلُ. وَهَذِهِ مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ كَمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حَقٌّ؛ لَكِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهَا كَالْأَمَةِ الْمُعْتَقَةِ وَقَدْ يُقَوِّي هَذَا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: الْمُخْتَلَعَةُ يَكْفِيهَا حَيْضَةٌ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا مُتَخَلِّصَةٌ. " الثَّانِي " أَنَّ زَوْجَهَا إذَا هَاجَرَ قَبْلَ النِّكَاحِ رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ رَوَى الْبُخَارِيُّ بَعْدَ هَذَا عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمُهَاجِرَةِ يُوَافِقُ الْمَشْهُورَ مِنْ {أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدَّتْ عَلَى أَبِي العاص بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ} وَقَدْ كَتَبْت فِي الْفِقْهِ فِي هَذَا آثَارًا وَنُصُوصًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute