للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالْبَيْعَ وَالرِّبَا. وَالظُّلْمُ فِي الرِّبَا وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِهِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الْمَيْسِرِ؛ فَإِنَّ " الْمُرَابِيَ " يَأْخُذُ فَضْلًا مُحَقَّقًا مِنْ الْمُحْتَاجِ؛ وَلِهَذَا عَاقَبَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَقَالَ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وَأَمَّا " الْمُقَامِرُ " فَإِنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ فَيَظْلِمُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَظْلُومُ هُوَ الْغَنِيَّ وَقَدْ يَكُونُ هُوَ الْفَقِيرَ وَظُلْمُ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ أَشَدُّ مِنْ ظُلْمِ الْغَنِيِّ. وَظُلْمٌ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الظَّالِمَ الْقَادِرَ أَعْظَمُ مَنْ ظُلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الظَّالِمُ؛ فَإِنَّ ظُلْمَ الْقَادِرِ الْغَنِيِّ لِلْعَاجِزِ الضَّعِيفِ أَقْبَحُ مَنْ تَظَالُمِ قَادِرَيْنِ غَنِيَّيْنِ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا هُوَ الَّذِي يَظْلِمُ. فَالرِّبَا فِي ظُلْمِ الْأَمْوَالِ أَعْظَمُ مِنْ الْقِمَارِ وَمَعَ هَذَا فَتَأَخَّرَ تَحْرِيمُهُ وَكَانَ آخِرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَيْسِرِ إلَّا مُجَرَّدُ الْقِمَارِ لَكَانَ أَخَفَّ مِنْ الرِّبَا لِتَأَخُّرِ تَحْرِيمِهِ. وَقَدْ أَبَاحَ الشَّارِعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ كَمَا أَبَاحَ اشْتِرَاطَ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَجَوَّزَ بَيْعَ الْمُجَازَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الرِّبَا فَلَمْ يُبَحْ مِنْهُ؛ وَلَكِنْ أَبَاحَ الْعُدُولَ عَنْ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ إلَى التَّقْدِيرِ بِالْخَرْصِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ؛ إذْ الْخَرْصُ تَقْدِيرٌ بِظَنِّ وَالْكَيْلُ تَقْدِيرٌ بِعِلْمِ. وَالْعُدُولُ عَنْ الْعِلْمِ إلَى الظَّنِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرِّبَا أَعْظَمُ مِنْ الْقِمَارِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لَكِنَّ الْمَيْسِرَ تُطْلَبُ بِهِ الْمُلَاعَبَةُ وَالْمُغَالَبَةُ نُهِيَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ لِفَسَادِ عَقْلِهِ مَعَ فَسَادِ مَالِهِ. مِثْلَ مَا فِيهِ مَنْ الصُّدُودِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ. وَكُلٌّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فِيهِ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَفِيهِ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ: أَعْظَمُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ.