لَوْ سَرَقَ ثُمَّ سَرَقَ: لَمْ يُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرِبَ؛ ثُمَّ شَرِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ. فَالْحُدُودُ وَجَبَتْ فِي جِنْسِ الذَّنْبِ؛ لَا فِي قَدْرِهِ. وَلِهَذَا تَجِبُ بِسَرِقَةِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ؛ وَتَجِبُ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ جِنْسُ الذَّنْبِ؛ لَا قَدْرُهُ. فَإِذَا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْقَدْرِ لَمْ يَفْتَرِقْ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَعَدِّهِ؛ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنْ جِنْسِ الْقَدْرِ وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ إذَا وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ. فَمَنْ قَالَ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ قَالَ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ سَبَّبَهَا الْوَطْءُ لَيْسَتْ مِثْلَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ الَّتِي سَبَّبَهَا الْعَقْدُ؟ وَهِيَ تَجِبُ مَعَ قَلِيلِ الْوَطْءِ وَكَثِيرِهِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لَهَا جِنْسُ الْوَطْءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ. وَطَرَدَهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً قَدْ اشْتَرَكَ فِي وَطْئِهَا جَمَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ؛ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ جَمَاعَةً. وَقَدْ نُوزِعُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقِيلَ: بَلْ تُسْتَبْرَأُ لِكُلِّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ اسْتِبْرَاءً وَاحِدًا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِمَا. فَأَمَّا إذَا بَاعَاهَا لِغَيْرِهِمَا: فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ إنَّ الْأَمَةَ الْمَمْلُوكَةَ بِسَبْيٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَيْهَا استبراءات مُتَعَدِّدَةٌ بِعَدَدِ الْوَاطِئِينَ. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رِجْلٌ جَارِيَةً وَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ. قَالَ الْفُقَهَاءُ: وَلَا نَقُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مَرَّتَيْنِ. وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ سَبَّبَهُ تَعَدُّدُ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُونَ الِاسْتِبْرَاءَ إذَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ وَطِئَهَا وَيُوجِبُونَهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهَا؛ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الرِّقُّ. وَالْكَلَامُ فِي عِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute