" وَالْمَقْصُودُ " هُنَا: أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ يَتَعَدَّدُ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا فَإِنَّ السُّنَّةَ تَخْصِمُهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ إلَّا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ: {لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ} فَعَلَّقَ الْحِلَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَاطِئِ: فَالْعِدَّةُ كَذَلِكَ. هَذَا مَا يَحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} الْآيَةَ. قَالُوا: فَقَدْ نَفَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ عِدَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ وَلَيْسَ هُنَا عِدَّةٌ لِغَيْرِ الرِّجَالِ فَعَلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلرِّجَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عِدَّةٌ فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ حَقًّا مَحْضًا لِلَّهِ لَمْ يَقُلْ: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} إذْ لَا عِدَّةَ لَهُمْ لَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ نَوْعَيْنِ نَوْعًا لِلَّهِ وَنَوْعًا فِيهِ حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ: لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ عِدَّةِ الْأَزْوَاجِ مَا يَنْفِي الْعِدَّةَ الْأُخْرَى فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ فَفِيهَا حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ؛ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute