فَأَجَابَ:
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَحَدِيثِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لَمَّا {أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عتبة بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ} وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا فَيَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُحَرِّمْ فَيَحْتَاجُ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ. وَقِيلَ يُحَرِّمُ الثَّلَاثُ فَصَاعِدًا وَهُوَ قَوْلُ " طَائِفَةٍ " مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحِ: {لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الإملاجة وَلَا الإملاجتان} " قَالُوا: مَفْهُومُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ وَلَمْ يَحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قُرْآنٌ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُتَوَاتِرِ. فَقَالَ لَهُمْ الْأَوَّلُونَ: مَعَنَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ مُثْبِتَانِ. أَحَدُهُمَا يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ حُكْمًا وَكَوْنَهُ قُرْآنًا. فَمَا ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ. وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا فَهَذَا لَمْ نُثْبِتْهُ وَلَمْ نَتَصَوَّرْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْآنٌ؛ إنَّمَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ. فَقَالَ أُولَئِكَ: هَذَا تَنَاقُضٌ وَقِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ كَقِرَاءَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute