للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} وَفِي رِوَايَةٍ {نَهَيْتُكُمْ عَنْ الظُّرُوفِ وَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ} فَمِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ النَّسْخُ فَأَخَذَ بِالْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ النَّسْخِ فَأَبَاحَ الِانْتِبَاذَ فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَالنَّهْيُ عَنْ بَعْضِ الْأَوْعِيَةِ قَوْلُ مَالِكٍ. وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ. فَلَمَّا سَمِعَ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ أَنَّ مِنْ السَّلَفِ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ شَرِبُوا الْمُسْكِرَ: فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: كَالشَّافِعِيِّ وَالنَّخْعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَشَرِيكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ: يَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدُونَ قَاصِدُونَ لِلْحَقِّ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} . وَأَمَّا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَعَلَيْهِ دَلَّ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَمْرَ هِيَ أَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَتُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ. وَهَذَا أَمْرٌ تَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمُسْكِرَاتِ؛ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُسْكِرٍ وَمُسْكِرٍ