وَإِنَّمَا يَقْرُبُ مِنْهُمْ " الْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ أَصْحَابُ أَرِسْطُو " فَإِنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَرَامِطَةِ مُقَارَبَةٌ كَبِيرَةٌ. وَلِهَذَا يُوجَدُ فُضَلَاءُ الْقَرَامِطَةِ فِي الْبَاطِنِ مُتَفَلْسِفَةٌ: كَسِنَانِ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ والطوسي الَّذِي كَانَ وَزِيرًا لَهُمْ بالألموت ثُمَّ صَارَ مُنَجِّمًا لِهَؤُلَاءِ وَمَلَكَ الْكُفَّارَ وَصَنَّفَ " شَرْحَ الْإِشَارَاتِ لِابْنِ سِينَا " وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى مَلِكِ الْكُفَّارِ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ وَصَارَ عِنْدَ الْكُفَّارِ التُّرْكِ هُوَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ " الداسميدية " فَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يُظْهِرُهُ الْقَرَامِطَةُ مِنْ الدِّينِ وَالْكَرَامَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لَكِنْ يَكُونُ أَحَدُهُمْ مُتَفَلْسِفًا وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ لِمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ فِي الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلِ ذَلِكَ بِأُمُورِ يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. فَإِنَّ " الْمُتَفَلْسِفَةَ " مُتَأَوِّلُونَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ أُمُورِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِالنَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ الَّذِي يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمْ وَأَمَّا الشَّرَائِعُ الْعَمَلِيَّةُ فَلَا يَنْفُونَهَا كَمَا يَنْفِيهَا الْقَرَامِطَةُ؛ بَلْ يُوجِبُونَهَا عَلَى الْعَامَّةِ؛ وَيُوجِبُونَ بَعْضَهَا عَلَى الْخَاصَّةِ أَوْ لَا يُوجِبُونَ ذَلِكَ. وَيَقُولُونَ إنَّ الرُّسُلَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ وَأَمَرُوا بِهِ لَمْ يَأْتُوا بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ؛ وَلَكِنْ أَتَوْا بِأَمْرِ فِيهِ صَلَاحُ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا اخْتَارَ كُلُّ مُبْطِلٍ أَنْ يَأْتِيَ بمخاريق لِقَصْدِ صَلَاحِ الْعَامَّةِ كَمَا فَعَلَ " ابْنُ التومرت " الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ وَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute