لِأَنَّهُ كَانَ مِثْلَهَا فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا مُكَذِّبًا لِلرُّسُلِ مُعَطِّلًا لِلشَّرَائِعِ وَلَا يَجْعَلُ لِلشَّرِيعَةِ الْعَمَلِيَّةِ بَاطِنًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا؛ بَلْ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ رَأْيِ الْجَهْمِيَّة الْمُوَافِقِ لِرَأْيِ الْفَلَاسِفَةِ وَنَوْعٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَرَوْنَ السَّيْفَ وَيُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ. فَهَؤُلَاءِ " الْقَرَامِطَةُ " هُمْ فِي الْبَاطِنِ وَالْحَقِيقَةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَيَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ؛ بَلْ وَإِيصَالُ النَّسَبِ إلَى الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمُ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَأَنَّ إمَامَهُمْ مَعْصُومٌ. فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ دَعْوَى بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ بِالرَّحْمَنِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ الْكَذَّابِينَ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} . وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَدَّعُونَ هَذَا وَهَذَا. فَإِنَّ الَّذِي يُضَاهِي الرَّسُولَ الصَّادِقَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَ دَعْوَتِهِ فَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي وَأَنْزَلَ عَلَيَّ. وَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ. أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَلَا يُسَمِّي مُوحِيَهُ كَمَا يَقُولُ: قِيلَ لِي وَنُودِيت وَخُوطِبْت وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكُونُ كَاذِبًا فَيَكُونُ هَذَا قَدْ حَذَفَ الْفَاعِلَ. أَوْ لَا يَدَّعِي وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ لَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ. وَوَجْهُ الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ فِي مُضَاهَاةِ الرَّسُولِ إمَّا أَنْ يُضِيفَهُ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا يُضِيفُهُ إلَى أَحَدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute