للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ أَنَّ مَبْنَى عِلْمِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَرَكَاتِ الْعُلْوِيَّةَ هِيَ السَّبَبُ فِي الْحَوَادِثِ وَالْعِلْمُ بِالسَّبَبِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا عُلِمَ السَّبَبُ التَّامُّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ حُكْمُهُ وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مَا يَعْلَمُونَ - إنْ عَلِمُوا - جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ وَلَا يَعْلَمُونَ بَقِيَّةَ الْأَسْبَابِ وَلَا الشُّرُوطَ وَلَا الْمَوَانِعَ مِثْلُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الصَّيْفِ تَعْلُو الرَّأْسَ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَرُّ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ هَذَا - مَثَلًا - أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعِنَبَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ الْفُلَانِيَّةِ يَصِيرُ زَبِيبًا؛ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ عِنَبًا وَأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَنْشُرُهُ صَاحِبُهُ فِي الشَّمْسِ وَقْتَ الْحَرِّ فَيَتَزَبَّبُ. فَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرًا؛ لَكِنَّ أَخْذَ هَذَا مِنْ مُجَرَّدِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ جَهْلٌ عَظِيمٌ إذْ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ عِنَبٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ؛ وَقَدْ يُثْمِرُ ذَلِكَ الشَّجَرُ إنْ خُدِمَ وَقَدْ لَا يُثْمِرُ وَقَدْ يُؤْكَلُ عِنَبًا وَقَدْ يُعْصَرُ وَقَدْ يُسْرَقُ وَقَدْ يُزَبَّبُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَالدِّلَالَةُ الدَّالَّةُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَتَحْرِيمِهَا كَثِيرَةٌ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا} " و " الْعَرَّافُ " قَدْ قِيلَ إنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرِّمَالِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي تَقَدُّمِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَسَائِرُهَا يَدْخُلُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِهِمَا.