وَيَتَفَكَّرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْمَلَكُ. لَكِنَّ حَظَّ الْمَلَكِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ وَمَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ أَفْضَلُ بِكَثِيرِ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ. " مِثَالُهُ ": مِثْلُ رَجُلٍ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَآخَرُ مَعَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُونَ فَلْسًا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَفَصْلُ الْجَوَابِ كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ أَرَدْت الْإِطْلَاقَ: فَالْحَقِيقَةُ الْمَلَكِيَّةُ بِلَوَازِمِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِلَوَازِمِهَا هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ حَقِيقَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيَاةٍ وَحِسٍّ وَعِلْمٍ وَعَمَلٍ وَنَيْلِ لَذَّةٍ وَإِدْرَاكِ شَهْوَةٍ لَيْسَتْ بِشَيْءِ. وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ أَصْنَافُهُ إلَى مَا يُشْبِهُ حَقِيقَةَ الْمَلَكِ؛ كَحَالِ مَنْ عَلِمَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ إلَى حَالِ مَنْ أَتْقَنَ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ وَلَا يُشْبِهُ حَالَ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمٌ إلَى حَالِ مَنْ مَعَهُ دُرَّةٌ وَلَا يُشْبِهُ حَالَ مَنْ يَسُوسُ النَّاسَ كُلَّهُمْ إلَى حَالِ مَنْ يَسُوسُ إنْسَانًا وَفَرَسًا. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا دَلَالَةً بَيِّنَةً قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُفَضِّلُوا عَلَى الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ: {مِمَّنْ} لِلتَّبْعِيضِ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا الِاسْتِدْلَالُ مَفْهُومٌ لِلْمُخَالِفِ وَأَنْتَ مُخَالِفٌ لِهَذَا مُنَازِعٌ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute