وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَصُولُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعِلْمِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؛ بَلْ عِلْمُ الدِّينِ الَّذِي سَنَّهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ عِنْدَ بَعْضٍ بَلَّغَهُ هَؤُلَاءِ لِأُولَئِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ يَسْأَلُونَ الصَّحَابَةَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ: هَلْ عِنْدَكُمْ عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ سُنَّةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمُوا بِهَا كَمَا سَأَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ لَمَّا أَتَتْهُ فَقَالَ: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئًا؛ وَلَكِنْ حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَهُمْ؛ فَأَخْبَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدْسَ. وَكَذَلِكَ {عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا سَأَلَهُمْ عَنْ الْجَنِينِ إذَا قُتِلَ قَامَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ} أَيْ مَنْ قَتَلَ جَنِينًا ضَمِنَهُ بِمَمْلُوكِ أَوْ جَارِيَةٍ لِوَرَثَتِهِ فَقَضَى بِذَلِكَ قَالُوا: وَتَكُونُ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: {إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ} وَرُوِيَ {أَنَّهُ ضُرِبَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ} وَقَالَ {لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ} وَمَعَ هَذَا فَمَا كَانَ يُلْزِمُ أَحَدًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ؛ بَلْ كَانَ يُشَاوِرُ الصَّحَابَةَ وَيُرَاجِعُ فَتَارَةً يَقُولُ قَوْلًا فَتَرُدُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute