للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ قَوْلَهُ: {إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} ظَنٌّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ مِنْهُمَا كَمَا ظَنَّ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ وَكَانَ مُخْطِئًا. وَقَوْلُهُ: {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمَا يُؤْثِرَانِ الْخُلُودَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَوْجَاعِ وَالْآفَاتِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْخَالِدَ فِي الْجَنَّةِ هَذِهِ حَالُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هَذَا مَخْرَجَ التَّفْضِيلِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُورَ وَالْوِلْدَانَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْجَنَّةِ خَالِدُونَ فِيهَا وَلَيْسُوا بِأَفْضَلَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَثَانِيهَا أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ الْخُلُودُ آثَرُ عِنْدَهُمَا فَمَالَا إلَيْهِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ حَالَهُمَا تِلْكَ كَانَتْ حَالَ ابْتِدَاءٍ لَا حَالَ انْتِهَاءٍ فَإِنَّهُمَا فِي الِانْتِهَاءِ قَدْ صَارَا إلَى الْخُلُودِ الَّذِي لَا حَظْرَ فِيهِ وَلَا مَعَهُ وَلَا يَعْقُبُهُ زَوَالٌ وَكَذَلِكَ يَصِيرَانِ فِي الِانْتِهَاءِ إلَى حَالٍ هِيَ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ حَالِ الْمَلَكِ الَّذِي أَرَادَاهَا أَوَّلًا وَهَذَا بَيِّنٌ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} فَبَدَأَ بِهِمْ وَالِابْتِدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَفْضَلِ وَالْأَشْرَفِ فَالْأَفْضَلُ وَالْأَشْرَفُ كَمَا بَدَأَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} فَبَدَأَ بِالْأَكْمَلِ وَالْأَفْضَلِ.