وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِابْتِدَاءَ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا بِغَيْرِ الْأَفْضَلِ بَلْ يُبْتَدَأُ بِالشَّيْءِ لِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نُوحًا أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤْمِنِ؛ فَلَعَلَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا بَدَأَ بِهِمْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَسْبَقُ خَلْقًا وَرِسَالَةً؛ فَإِنَّهُمْ أُرْسِلُوا إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؛ فَذَكَرَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ: فِي الْخَلْقِ وَالرِّسَالَةِ: عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} وَالذُّكُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنَاثِ. وَقَالَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} الْآيَاتِ. و {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَدُلّ التَّقْدِيمُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى فَضْلِ الْمَبْدُوءِ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْفَضْلِ. (الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ وَهُنَّ إنَّمَا أَرَدْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُنَّ حَالٌ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ. وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُنَّ لَمْ يَعْتَقِدْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُمْ لِمُخْبِرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute