فَصَاحِبُ الْمَحَبَّةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّأَلُّهِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ حُضُورِ الرَّبِّ فِي قَلْبِهِ وَأُنْسِهِ بِهِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ أَعْلَمَ بِصِفَاتِهِ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مَحَبَّةً لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَشْخَاصُ - الْمَشْهُورُونَ - قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ أَعْلَمَ بِمَا رَأَى وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مَحَبَّةً لَهُ وَ {الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ} وَتَعَارُفُهَا تَنَاسُبُهَا وَتَشَابُهُهَا فِيمَا تَعْلَمُهُ وَتُحِبُّهُ وَتَكْرَهُهُ. وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعِبَادِ الَّذِي يَشْهَدُ قَلْبُهُ الصُّورَةَ الْمِثَالِيَّةَ وَيَفْنَى فِيمَا شَهِدَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى اللَّهَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى قَلْبِهِ سُلْطَانُ الشُّهُودِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَقْلٌ يُمَيِّزُ بِهِ وَالْمُشَاهِدُ لِلْأُمُورِ هُوَ الْقَلْبُ لَكِنْ تَارَةً شَاهَدَهَا بِوَاسِطَةِ الْحِسِّ الظَّاهِرِ وَتَارَةً بِنَفْسِهِ فَلَا يَبْقَى أَيْضًا يُمَيِّزُ بَيْنَ الشهودين فَإِنْ غَابَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشهودين ظَنَّ أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ؛ وَإِنْ غَابَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ ظَنَّ أَنَّهُ هُوَ كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ. وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: غِبْت بِك عَنِّي؛ فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي وَكَانَ الْمَحْبُوبُ قَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسَهُ خَلْفَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قُوَّةِ شُهُودِ الْقَلْبِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ؛ فَإِنَّهُ لِغَيْبَةِ عَقْلِهِ بِالنَّوْمِ يَظُنُّ أَنَّ مَا يَرَاهُ هُوَ بِعَيْنِهِ الظَّاهِرَةِ وَمَا يَسْمَعُهُ يَسْمَعُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute