وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَاكَ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ عِنْدَنَا. وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ مُسْتَلْزِمًا لِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّقْسِيمُ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِالْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ صَحِيحًا وَالنَّاظِمُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ وَالْجِسْمِ.
ثُمَّ نَقُولُ الْأَدِلَّةُ النَّظَرِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ وَالْجِسْمِ تَنْفِي صِحَّةَ هَذَا التَّقْسِيمِ وَالْحَصْرِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قُدِّرَ مَوْجُودٌ لَيْسَ بِجِسْمِ وَلَا مُتَحَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَايِنًا لِغَيْرِهِ وَلَا محايثا لَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلَّمَا يُنْفَى الْقَوْلُ بِالتَّجْسِيمِ يَبْطُلُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ. وَكَذَلِكَ " الِاتِّحَادُ " فَإِنَّ الِاتِّحَادَ إذَا كَانَ مَعَ بَقَاءِ الِاثْنَيْنِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ فَلَا اتِّحَادَ بَلْ هُمَا اثْنَانِ بَاقِيَانِ عَلَى صِفَاتِهِمَا كَمَا كَانَا وَإِنْ عَنَى بِهِ اسْتِحَالَةَ إلَى نَوْعٍ ثَالِثٍ كَمَا يَتَّحِدُ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ وَالْمَاءُ وَالْخَمْرُ فَيَصِيرَانِ نَوْعًا ثَالِثًا لَا هُوَ مَاءٌ مَحْضٌ وَلَا لَبَنٌ مَحْضٌ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِحَالَةِ أَحَدِهِمَا وَفَسَادٍ يَعْرِضُ لِذَاتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ قَدِيمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَدَمُ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَمْتَنِعُ فِي حَقِّهِ الِاسْتِحَالَةُ وَالْفَسَادُ بِمَضْمُونِ الدَّلِيلِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْخَالِقِ وَالْخَالِقَ مُبَايِنٌ وَإِمَّا أَنْ يَلْزَمَ الْحُلُولُ وَالِاتِّحَادُ وَهُمَا بَاطِلَانِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute