مُقَدِّمَاتِهِ؛ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ تَقْدَحُ فِي دَلِيلِ الْأُخْرَى؛ فَالْفَلَاسِفَةُ تَقْدَحُ فِي دَلِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ؛ بَلْ عَلَى نَفْيِ الْجِسْمِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْمُعْتَزِلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ فَلَا يَكُونُ جِسْمًا وَلَا مُتَحَيِّزًا؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ وَهُمْ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى حُدُوثِ الْجِسْمِ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ وَالْحَرَكَاتِ وَأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. بَلْ الْأَشْعَرِيُّ نَفْسُهُ ذَكَرَ فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَهْلِ الثَّغْرِ: أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ - وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ بِحُدُوثِ أَعْرَاضِهَا - هُوَ دَلِيلٌ مُحَرَّمٌ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَذَكَرَ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ آخِرَ بَيَانَ عَجْزِ الْمُعْتَزِلَةِ عَنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِ أَنَّهُ جِسْمٌ وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّظَرِ بَيَّنُوا فَسَادَ طَرِيقِ الْفَلَاسِفَةِ الَّتِي نَفَوْا بِهَا الصِّفَاتِ وَبَيَّنُوا عَجْزَهُمْ عَنْ إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى نَفْيِ أَنَّهُ جِسْمٌ؛ بَلْ وَعَجْزُهُمْ عَنْ إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْجِسْمِ إلَّا بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ الْأَشْعَرِيُّ مَا ذَكَرَ. فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ أَذْكِيَاءِ النُّظَّارِ وَفُضَلَائِهِمْ يَقْدَحُ فِي مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ بُنِيَ عَلَيْهِ النَّفْيُ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً؛ إذْ الضَّرُورِيَّاتُ لَا يُمْكِنُ الْقَدْحُ فِيهَا وَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute