قَدَحُوا فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الضَّرُورِيَّةِ. قِيلَ: فَإِذَا جَوَّزْتُمْ عَلَى أَئِمَّةِ الْنُّفَاةِ أَنْ يَقْدَحُوا بِالْبَاطِلِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الضَّرُورِيَّةِ فَالَتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا أَهْلُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَقَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْكَلَامُ عَلَى أَدِلَّةِ الْنُّفَاةِ وَمُقَدِّمَاتِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ بِحَيْثُ يَبِينُ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ خُرُوجُ أَصْحَابِهَا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ سَفْسَطُوا فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَقَرْمَطُوا فِي السَّمْعِيَّاتِ لَيْسَ مَعَهُمْ عَلَى نَفْيِهِمْ لَا عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ وَلَا شَرْعٌ؛ بَلْ مَعَهُمْ شُبُهَاتٌ يَظُنُّهَا مَنْ يَتَأَمَّلُهَا بَيِّنَاتٍ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} . وَلِهَذَا تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الْحَيْرَةُ وَالِارْتِيَابُ وَالشَّكُّ وَالِاضْطِرَابُ. وَقَدْ صَارَتْ تِلْكَ الشُّبُهَاتُ عِنْدَهُمْ مُقَدِّمَاتٍ مُسَلَّمَةً يَظُنُّونَهَا عَقْلِيَّاتٍ أَوْ بُرْهَانِيَّاتٍ وَإِنَّمَا هِيَ مُسَلَّمَاتٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالِاشْتِبَاهِ فَلَا تَجِدُ لَهُمْ مُقَدِّمَةٌ إلَّا وَفِيهَا أَلْفَاظٌ مُشْتَبِهَةٌ فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ وَالِالْتِبَاسِ مَا يَضِلُّ بِهَا مَنْ يَضِلُّ مِنْ النَّاسِ وَكَيْفَ تَكُونُ النَّتِيجَةُ الْمُثْبَتَةُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ دَافِعَةً لِتِلْكَ الْقَضَايَا الضَّرُورِيَّاتِ؟ وَهَذَا الَّذِي قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: كُلَّمَا أَمْعَنَ النَّاظِرُ فِيهِ وَفِيمَا تَكَلَّمَ أَهْلُ النَّفْيِ فِيهِ: ازْدَادَ بَصِيرَةً وَمَعْرِفَةً بِمَا فِيهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُبْنَى النَّفْيُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ تُسَاوِي فِي جَزْمِ الْعَقْلِ بِهَا مُقَدِّمَاتِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الْجَازِمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute