قَلِيلٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي نَشْهَدُهَا كَأَبْدَانِ بَنِي آدَمَ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَخْلُوقَاتٍ لَمْ نَشْهَدْهَا كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ حَتَّى أَرْوَاحِنَا. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَاثِلًا لَهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مُمَاثِلًا لِمَا شَاهَدُوهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِي لَفْظِ الْجِسْمِ مِنْ حَيْثُ " اللُّغَةُ ". وَأَمَّا " الشَّرْعُ " فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ أَوْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمِ؛ بَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَتِهِ جِسْمًا: كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالرِّيحِ وَالْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُشَارُ إلَيْهِ وَيُخْتَصُّ بِجِهَةِ وَهُوَ مُتَحَيِّزٌ. قَدْ تَنَازَعُوا هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ جواهر لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَوْ مِنْ مَادَّةٍ وَصُورَةٍ أَوْ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا؟ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ. وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النُّظَّارِ. وَالْأَوَّلُ كَثِيرٌ فِي أَهْلِ الْكَلَامِ وَالثَّانِي كَثِيرٌ فِي الْفَلَاسِفَةِ؛ لَكِنَّ قَوْلَ الطَّائِفَتَيْنِ بَاطِلٌ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ بُطْلَانُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْقَوْلِ الثَّالِثِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَنَا أَقُولُ إنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَإِنَّهُ تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ أَجْزَاءٍ مُفْرَدَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute