عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ - أَوْ النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ} . ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} . وَذَكَرَ مِنْ تَفْسِيرِ الوالبي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} يَقُولُ: قُدِّسَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} بُورِكَتْ النَّارُ. كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي السُّورَةِ الْأُخْرَى: ذَكَرَ أَنَّهُ نَادَاهُ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَقَوْلُهُ {مِنَ الشَّجَرَةِ} هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ} فَالشَّجَرَةُ كَانَتْ فِيهِ وَقَالَ أَيْضًا: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} وَالطُّورُ هُوَ الْجَبَلُ فَالنِّدَاءُ كَانَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الطُّورِ وَمِنْ الْوَادِي فَإِنَّ شَاطِئَ الْوَادِي جَانِبُهُ وَقَالَ {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} أَيْ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ هُوَ الْغَرْبِيُّ لَا الشَّرْقِيُّ فَذَكَرَ أَنَّ النِّدَاءَ كَانَ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْوَادِي الْمُقَدَّسُ طُوًى مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ مِنْ الشَّجَرَةِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ قَرَّبَهُ نَجِيًّا فَنَادَاهُ وَنَاجَاهُ وَذَلِكَ الْمُنَادِي لَهُ وَالْمُنَاجِي لَهُ هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا غَيْرُهُ وَنِدَاؤُهُ وَمُنَاجَاتُهُ قَائِمَةٌ بِهِ لَيْسَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ؛ بَلْ كَلَامُهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مَخْلُوقٌ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَادَاهُ وَنَاجَاهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ مُنَادِيًا مُنَاجِيًا لَهُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ خَلَقَ فِيهِ إدْرَاكَ النِّدَاءِ الْقَدِيمِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute