وَتَعَالَى الْقَرِيبُ الَّذِي يُجِيبُ دَعْوَةَ الداع لَا الْمَلَائِكَةُ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: {إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ} . وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَرِيبٌ مِنْ قَلْبِ الدَّاعِي فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ. وَقُرْبُهُ مِنْ قَلْبِ الدَّاعِي لَهُ مَعْنًى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَمَعْنًى آخَرُ فِيهِ نِزَاعٌ. فَالْمَعْنَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ يَكُونُ بِتَقْرِيبِهِ قَلْبَ الدَّاعِي إلَيْهِ كَمَا يُقَرِّبُ إلَيْهِ قَلْبَ السَّاجِدِ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ ": {أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ} فَالسَّاجِدُ يَقْرُبُ الرَّبُّ إلَيْهِ فَيَدْنُو قَلْبُهُ مِنْ رَبِّهِ وَإِنْ كَانَ بَدَنُهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَمَتَى قَرُبَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْآخَرِ صَارَ الْآخَرُ إلَيْهِ قَرِيبًا بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْآخَرِ تَحَرُّكٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ قَرُبَتْ مَكَّةُ مِنْهُ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْرُبُ إلَيْهِ مَنْ يَقْرَبُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ فَقَالَ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} وَقَالَ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} وَقَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} وَقَالَ: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute