وَأَمَّا قُرْبُ الرَّبِّ قُرْبًا يَقُومُ بِهِ بِفِعْلِهِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ فَهَذَا تَنْفِيهِ الْكُلَّابِيَة وَمَنْ يَمْنَعُ قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَمْنَعُونَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. فَنُزُولُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَنُزُولُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ وَلِهَذَا حُدَّ النُّزُولِ بِأَنَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ تَكْلِيمُهُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ تَقْرِيبِ الْحُجَّاجِ وَقُوَّامِ اللَّيْلِ إلَيْهِ لَمْ يَخُصَّ نُزُولَهُ بِسَمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ فِي إجَابَةِ الدَّاعِي وَقُرْبِ الْعَابِدِينَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} . وَقَالَ: {مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا} وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ تَقْرِيبِهِ لِلْعَبْدِ إلَيْهِ جَزَاءً عَلَى تَقَرُّبِهِ بِاخْتِيَارِهِ. فَكُلَّمَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ قَدْرَ شِبْرٍ زَادَهُ الرَّبُّ قُرْبًا إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُتَقَرِّبِ بِذِرَاعِ. فَكَذَلِكَ قُرْبُ الرَّبِّ مِنْ قَلْبِ الْعَابِدِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَهُوَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى؛ وَهَذَا أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مُحِبًّا لِمَا أَحَبَّ الرَّبُّ مُبْغِضًا لِمَا أَبْغَضَ مُوَالِيًا لِمَنْ يُوَالِي؛ مُعَادِيًا لِمَنْ يُعَادِي؛ فَيَتَّحِدُ مُرَادُهُ مَعَ الْمُرَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ. وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مُوَالَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمُوَالَاةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ. فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ و " الْوِلَايَةُ " تَتَضَمَّنُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَافَقَةَ و " الْعَدَاوَةُ " تَتَضَمَّنُ الْبُغْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute