للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِفِعْلِ يَقُومُ بِذَاتِهِ. وَأَمَّا نَفْسُ فِعْلِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ آخَرَ بَلْ يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا يَقُولُونَ: إنَّ الْخَلْقَ حَادِثٌ وَلَا يَقُولُونَ هُوَ مَخْلُوقٌ؛ وَتَنَازَعُوا هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ مُحْدَثٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلَامُهُ هُوَ حَدِيثٌ وَهُوَ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ. وَلَيْسَ بِمَخْلُوقِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَيُسَمَّى حَدِيثًا وَحَادِثًا. وَهَلْ يُسَمَّى مُحْدَثًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لَهُمْ. وَمَنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ لَفْظَ الْمُحْدَثِ إلَّا عَلَى الْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ - كَمَا كَانَ هَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُتَنَاظِرِينَ الَّذِينَ تَنَاظَرُوا فِي الْقُرْآنِ فِي مِحْنَةِ الْإِمَامِ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ لِلْمُحْدَثِ مَعْنًى إلَّا الْمَخْلُوقَ الْمُنْفَصِلَ - فَعَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ بَلْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُحْدَثٌ فَقَدْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ. وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَد هَذَا الْإِطْلَاقَ عَلَى " دَاوُد " لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ؛ فَظَنَّ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا فَأَنْكَرَهُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ. ودَاوُد نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَصْدَهُ بَلْ هُوَ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ؛ هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ " لَفْظِيٌّ "؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ مُنْفَصِلٍ وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَكَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ: