فَأَمَّا كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَكَلَّمُ كَلِمَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَحِيحُ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحُ الْمَعْقُولِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَالْفَلَاسِفَةُ تُوَافِقُ عَلَى دَوَامِ هَذَا النَّوْعِ وَقُدَمَاءُ أَسَاطِينِهِمْ يُوَافِقُونَ عَلَى قِيَامِ ذَلِكَ بِذَاتِ اللَّهِ كَمَا يَقُولُهُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَفُهُمْ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى حُدُوثِ كُلِّ مَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ بِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ.
الْأَصْلُ الثَّانِي الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ أَفْعَالُ الرَّبِّ تَعَالَى اللَّازِمَةُ وَالْمُتَعَدِّيَةُ وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَلْ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ طَوَائِفِ الْكَلَامِ وَالْفَلَاسِفَةِ جَوَازُ ذَلِكَ. وَذَهَبَ نفاة الصِّفَاتِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ والْكُلَّابِيَة مِنْ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ إلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ ذَلِكَ بِهِ. أَمَّا " نفاة الصِّفَاتِ " فَإِنَّهُمْ يَنْفُونَ هَذَا وَغَيْرَهُ وَيَقُولُونَ: هَذَا كُلُّهُ أَعْرَاضٌ وَالْأَعْرَاضُ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ وَالْأَجْسَامُ مُحْدَثَةٌ فَلَوْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ؛ لَكَانَ مُحْدَثًا. أَمَّا " الْكُلَّابِيَة " فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَقُولُ تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَلَا نَقُولُ هِيَ أَعْرَاضٌ فَإِنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَصِفَاتُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَنَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقَاتِ؛ فَإِنَّ الْأَعْرَاضَ عِنْدَنَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute