للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَكْذِيبٍ وَنَفْيِ حَالٍ أَوْ اعْتِقَادٍ كَحَالِ الْمُبْتَدِعَةِ فَيَبْقَى الْفَرِيقَانِ فِي بِدْعَةٍ وَتَكْذِيبٍ بِبَعْضِ مُوجِبِ النُّصُوصِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُثْبِتَةِ تَبْقَى مُتَعَلِّقَةً بِإِثْبَاتِ مَا نَفَتْهُ الْمُبْتَدِعَةُ. وَفِيهِمْ نُفْرَةٌ عَنْ قَوْلِ الْمُبْتَدِعَةِ؛ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ وَنَفْيِهِمْ لَهُ فَيُعْرِضُونَ عَنْ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ يَنْفِرُونَ مِنْهُ أَوْ يُكَذِّبُونَ بِهِ كَمَا قَدْ يَصِيرُ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُتَسَنِّنَةِ فِي إعْرَاضِهِ عَنْ بَعْضِ فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْبَيْتِ؛ إذَا رَأَى أَهْلَ الْبِدْعَةِ يُغْلُونَ فِيهَا؛ بَلْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَصِيرُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ فَضَائِلِ مُوسَى وَعِيسَى بِسَبَبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَعْضَ ذَلِكَ حَتَّى يُحْكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا شَتَمُوا الْمَسِيحَ إذَا سَمِعُوا النَّصَارَى يَشْتُمُونَ نَبِيَّنَا فِي الْحَرْبِ. [وَعَنْ بَعْضِ الْجُهَّالِ أَنَّهُ قَالَ: سُبُّوا عَلِيًّا كَمَا سَبُّوا عَتِيقَكُمْ كُفْرٌ بِكُفْرِ؛ وَإِيمَانٌ بِإِيمَانِ] (*). وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الصِّفَاتِ " أَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَرَفَ رَبَّهُ وَأَحَبَّهُ؛ بَلْ لَوْ عَرَفَ غَيْرَ اللَّهِ وَأَحَبَّهُ وتألهه؛ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الْمَحْبُوبُ الْمُعَظَّمُ فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَقَدْ تَقْوَى بِهِ شِدَّةُ الْوَجْدِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ بِهِ وَيَفْنَى بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.

كَمَا قِيلَ إنَّ رَجُلًا كَانَ يُحِبُّ آخَرَ؛ فَوَقَعَ الْمَحْبُوبُ فِي الْيَمِّ. فَأَلْقَى الْآخَرُ نَفْسَهُ خَلْفَهُ فَقَالَ: أَنَا وَقَعْت فَمَا الَّذِي أَوْقَعَك؟ فَقَالَ: غِبْت بِك عَنِّي فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي. وَهَذَا كَمَا قِيلَ:

مِثَالُك فِي عَيْنِي وَذِكْرَاك فِي فَمِي … وَمَثْوَاك فِي قَلْبِي فَأَيْنَ تَغِيبُ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٥٥):
وهذا بيت من (البسيط)، ورسمه:
سبوا عليا كما سبوا عتيقكمُ … كفر بكفر؛ وإيمانٌ بإيمان)