للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ آخَرُ:

سَاكِنٌ فِي الْقَلْبِ يَعْمُرُهُ … لَسْت أَنْسَاهُ فَأَذْكُرُهُ

هُوَ مَوْلَى قَدْ رَضِيت بِهِ … وَنَصِيبِي مِنْهُ أُوَفِّرُهُ

وَلِقُوَّةِ الِاتِّصَالِ: زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْعَالِمَ وَالْعَارِفَ يَتَّحِدُ بِالْمَعْلُومِ الْمَعْرُوفِ وَآخَرُونَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُحِبَّ قَدْ يَتَّحِدُ بِالْمَحْبُوبِ. وَهَذَا إمَّا غَلَطٌ؛ وَإِمَّا تَوَسُّعٌ فِي الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ نَوْعُ اتِّحَادٍ: هُوَ اتِّحَادٌ فِي عَيْنِ الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنْ نَوْعِ اتِّحَادٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَالْمَحْبُوبِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَرْضِيِّ وَالْمَسْخُوطِ؛ وَاتِّحَادٍ فِي نَوْعِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالرِّضَا وَالسَّخَطِ بِمَنْزِلَةِ اتِّحَادِ الشَّخْصَيْنِ الْمُتَحَابَّيْنِ. وَهَذَا لَهُ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَحْبُوبَ فِي قَلْبِ الْعَارِفِ الْمُحِبِّ: لَهُ أَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ صَادِقَةٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ} وقَوْله تَعَالَى {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقَوْله تَعَالَى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} وَقَوْلِهِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . وَقَوْلِهِ فِي الِاسْتِفْتَاحِ: {سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك؛ وَلَا إلَهَ غَيْرُك} . وَيَحْصُلُ لِقُلُوبِ الْعَارِفِينَ بِهِ اسْتِوَاءٌ وَتَجَلٍّ لَا يَزُولُ عَنْهَا يُقِرُّ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ؛ لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُقِرُّونَ بِكَثِيرِ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبِدْعَةِ؛ كَمَا يُقِرُّونَ بِاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ.