للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الْأَحْرَى. وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَهُ تَفْعَلُ نَفْسَهُ؛ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهَا؛ وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُوهِمَةٌ مُجْمَلَةٌ فَإِذَا فُسِّرَ الْمَعْنَى زَالَ الْمَحْذُورُ. وَيُقَالُ أَيْضًا: نَحْنُ لَا نُطْلِقُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الْغَيْرَ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى الْغَيْرِ فَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ؛ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ الْعِلْمِيِّ فَالدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى وُجُودِ مَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ لَا فَاعِلٍ وَلَا عِلَّةٍ فَاعِلَةٍ وَأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا يُبَايِنُهُ. وَأَمَّا الْوُجُودُ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ صِفَةٌ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي الثُّبُوتِيَّةِ: فَهَذَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ الْمَعْنِيُّ بِوُجُوبِ الْوُجُودِ وَبِالْغَنِيِّ. قِيلَ لَهُ: لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مَدْلُولَ الْأَدِلَّةِ؛ وَلَكِنْ أَنْتَ قَدَّرْت أَنَّ هَذَا مُسَمَّى الِاسْمِ وَجَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُك إنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّ الْمَعْنَى حَقٌّ فِي نَفْسِهِ وَلَا دَلِيلَ لَك عَلَى ذَلِكَ؛ بَلْ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. فَهَؤُلَاءِ عَمَدُوا إلَى لَفْظِ الْغَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ فَصَارُوا يَحْمِلُونَهَا عَلَى مَعَانِي تَسْتَلْزِمُ مَعَانِيَ تُنَاقِضُ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ وَتَوَسَّعُوا فِي التَّعْبِيرِ ثُمَّ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ هُوَ مُوجِبُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ.