يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى كُلِّ كَلَامٍ سَوَاءٌ كَانَ خِطَابًا لِلْخَالِقِ أَوْ خِطَابًا لِلْمَخْلُوقِ وَلِهَذَا يُقَدِّمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدَ أَمَامَ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِهَذَا أَمَرَنَا بِتَقْدِيمِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بالحمد لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ. وَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إلَى الْجَنَّةِ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} . وَقَوْلُهُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جَعَلَهُ ثَنَاءً. وَقَوْلُهُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} جَعَلَهُ تَمْجِيدًا. وَقَوْلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حَمْدٌ مُطْلَقٌ. فَإِنَّ " الْحَمْدَ " اسْمُ جِنْسٍ وَالْجِنْسُ لَهُ كَمِّيَّةٌ وَكَيْفِيَّةٌ؛ فَالثَّنَاءُ كَمِّيَّتُهُ. وَتَكْبِيرُهُ وَتَعْظِيمُهُ كَيْفِيَّتُهُ وَ " الْمَجْدُ " هُوَ السَّعَةُ وَالْعُلُوُّ فَهُوَ يُعَظِّمُ كَيْفِيَّتَهُ وَقَدْرَهُ وَكَمِّيَّتَهُ الْمُتَّصِلَةَ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ بِالْمِلْكِ. وَ " الْمِلْكُ " يَتَضَمَّنُ الْقُدْرَةَ وَفِعْلَ مَا يَشَاءُ وَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَصْفٌ بِالرَّحْمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِإِحْسَانِهِ إلَى الْعِبَادِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَيْضًا وَالْخَيْرُ يَحْصُلُ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الرَّحْمَةَ. فَإِذَا كَانَ قَدِيرًا مُرِيدًا لِلْإِحْسَانِ: حَصَلَ كُلُّ خَيْرٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ النَّقْصُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ إرَادَةِ الْخَيْرِ " فَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ " قَدْ اتَّصَفَ بِغَايَةِ إرَادَةِ الْإِحْسَانِ وَغَايَةِ الْقُدْرَةِ؛ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} مَعَ أَنَّهُ " مَلِكُ الدُّنْيَا " لِأَنَّ يَوْمَ الدِّينِ لَا يَدَّعِي أَحَدٌ فِيهِ مُنَازَعَةً وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَعْظَمُ فَمَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا كَمَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ إصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ وَ " الدِّينُ " عَاقِبَةُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَقَدْ يَدُلُّ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَبِطْرِيقِ الْعُمُومِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: عَلَى مِلْكِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute