وَلَيْسَ إلَّا أَصْوَاتَ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ فَتَكُونُ قَدِيمَةً ثُمَّ احْتَاجُوا عِنْدَ الْبَحْثِ إلَى طَرْدِ أَقْوَالِهِمْ. وَكَذَلِكَ فِي " الْإِيمَانِ " لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ - لَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا غَيْرُهُ - إنَّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا قَدِيمٍ وَلَا قَالُوا عَنْ الْقُرْآنِ: قَدِيمٌ لَكِنْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ عَلَى " لَفْظِ الْقُرْآنِ أَوْ الْإِيمَانِ " بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ فَجَاءَ هَؤُلَاءِ فَفَهِمُوا مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ إذَا أُنْكِرَ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ يُجِيزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِنَّهُ قَدِيمٌ فَقَالُوا: لَفْظُ الْعَبْدِ وَصَوْتُهُ قَدِيمٌ وَإِيمَانُهُ قَدِيمٌ. ثُمَّ طَرَدُوا أَقْوَالَهُمْ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذِهِ الْأُمُورُ قَدْ بُسِطَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ؛ سَأَلَ عَنْهَا السَّائِلُونَ وَأُجِيبُوا فِي ذَلِكَ بِأَجْوِبَةِ مَبْسُوطَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا؛ إذْ الْمَقْصُودُ: التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَحْدُثُ عَنْ الْأَصْلِ الْمُبْتَدَعِ. وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ حُجَّةُ الْجَهْمِيَّة عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ: بِأَنَّ مَا لَا يَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ فَمَا يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِمَشِيئَتِهِ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا؛ فَلَزِمَهُمْ نَفْيُ كَلَامِ الرَّبِّ وَفِعْلِهِ بَلْ وَتَعْطِيلُ ذَاتِهِ ثُمَّ آلَ الْأَمْرُ إلَى جَعْلِ الْمَخْلُوقِ قَدِيمًا وَتَعْطِيلِ صِفَاتِ الرَّبِّ الْقَدِيمَةِ؛ بَلْ وَذَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَصْحَابُ هَذَا الْأَصْلِ الْقَائِلُونَ " بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ " يَقُولُونَ: إنَّ نَفْسَ الْأَعْيَانِ الَّتِي فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ هِيَ مُتَقَدِّمَةُ الْوُجُودِ لَا يُعْلَمُ حُدُوثُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute