وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَإِنَّمَا أُرِيدَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّهُ تَحُلُّ فِيهِ الْحَوَادِثُ أَوْ لَا تَحُلُّ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ هَذَا الْقَوْلِ. فَيُقَالُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ الْحَوَادِثُ وَإِمَّا أَنْ لَا تَقُومَ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ امْتَنَعَ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ حَادِثًا فَتَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَإِنْ كَانَتْ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ فَتِلْكَ الْحَوَادِثُ تَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَلَا تَكُونُ كُلُّهَا مَخْلُوقَةً لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَلْقٍ وَالْخَلْقُ مِنْهَا؛ فَلَوْ كَانَ الْخَلْقُ مَخْلُوقًا بِخَلْقِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَلْقٍ مَخْلُوقًا فَيَكُونَ الْمَخْلُوقُ حَاصِلًا بِلَا خَلْقٍ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَخْلُوقَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَلْقٍ. وَإِذَا كَانَ لَا يَجِبُ فِيمَا قَامَ بِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا فَلَوْ أَحْدَثَهُ فِي ذَاتِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا؛ بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ مَا لَهُ خَلْقٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الرَّبِّ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقِ وَهُوَ إذَا تَكَلَّمَ بِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَانَ الْكَلَامُ اسْمًا يَتَنَاوَلُ التَّكَلُّمَ بِهِ وَنَفْسَ الْحُرُوفِ وَذَلِكَ التَّكَلُّمُ حَاصِلٌ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِخَلْقِ؛ فَإِنَّ الْخَلْقَ يَحْصُلُ أَيْضًا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَهُوَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بِكَلَامِهِ؛ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامِهِ خَلْقٌ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ خَلْقَهُ لِلْأَشْيَاءِ هُوَ نَفْسُ تَكَلُّمِهِ بكن فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْخَلْقُ وَالْخَلْقُ لَا يَحْصُلُ بِخَلْقِ بَلْ الْمَخْلُوقُ يَحْصُلُ بِالْخَلْقِ؛ وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا يَخْلُقُهُ مَعَ تَكَلُّمٍ بِفِعْلِ يَفْعَلُهُ أَيْضًا؛ فَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنَّ كَلَامَهُ إذَا أَحْدَثَهُ فِي ذَاتِهِ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَ أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute