الْكِنَانِيُّ فِي " الْحَيْدَةِ " وَأَبْطَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَزِمَ خِلَافَ السَّلَفِ وَقَدْ كَتَبْت أَلْفَاظَهُ وَشَرَحْتهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَ " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّهُ يُمْكِنُ إبْطَالُ كَوْنِهِ خَلَقَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَوْلِ الْكُلَّابِيَة وَلَا الكَرَّامِيَة؛ فَإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَامَ بِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا؛ إذْ كَانَ حَاصِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْمَخْلُوقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَلْقٍ، وَنَفْسُ تَكَلُّمِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَيْسَ خَلْقًا لَهُ بَلْ بِذَلِكَ التَّكَلُّمِ يَخْلُقُ غَيْرَهُ وَالْخَلْقُ لَا يَكُونُ خَلْقًا لِنَفْسِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ " الْكُلَّابِيَة ": أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَتَكَلَّمُ بِلَا مَشِيئَتِهِ وَلَا قُدْرَتِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَتَكَلَّمُ بِلَا مَشِيئَتِهِ وَلَا قُدْرَتِهِ.
وَأَمَّا " الكَرَّامِيَة " فَيَقُولُونَ: صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ صِفَةِ الْكَمَالِ عَنْهُ وَيَلْزَمُ حُدُوثُ الْحَادِثِ بِلَا سَبَبٍ وَيَلْزَمُ أَنَّ ذَاتَهُ صَارَتْ مَحَلًّا لِنَوْعِ الْحَوَادِثِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ: كَمَا تَقَوَّلَهُ " الكَرَّامِيَة " وَهَذَا بَاطِلٌ. وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلَهُ السَّلَفُ بِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ نَوْعِ الْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ صِفَةَ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ كَمَالًا فَلَمْ يَزَلْ نَاقِصًا حَتَّى تُجَدِّدَ لَهُ ذَلِكَ الْكَمَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَدْ نَقَصَ بَعْدَ الْكَمَالِ.
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ لَا تُبْطِلُ قِيَامَ نَوْعِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ حُدُوثَ أَفْرَادِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ لَا حُدُوثَ النَّوْعِ وَالنَّوْعُ مَا زَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute