{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} سَيَتَّعِظُ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. وَفِي قَوْلِهِ {وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ} إنَّمَا يَتَّعِظُ مَنْ يَرْجِعُ إلَى الطَّاعَةِ. وَهَذَا لِأَنَّ التَّذَكُّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ التَّأَثُّرَ بِمَا تَذَكَّرَهُ؛ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَحْبُوبًا طَلَبَهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ مَرْهُوبًا هَرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} . فَنَفَى الْإِنْذَارَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِنْذَارَ مِنْ وَجْهٍ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ. فَالْإِنْذَارُ مِثْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّخْوِيفِ فَمَنْ عَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمَ فَقَدْ تَمَّ تَعْلِيمُهُ وَآخَرُ يَقُولُ: عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَوَّفْتَهُ فَخَافَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَّ تَخْوِيفُهُ. وَأَمَّا مَنْ خُوِّفَ فَمَا خَافَ؛ فَلَمْ يَتِمَّ تَخْوِيفُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ هَدَيْتَهُ فَاهْتَدَى؛ تَمَّ هُدَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} . وَمَنْ هَدَيْتَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ - كَمَا قَالَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} - فَلَمْ يَتِمَّ هُدَاهُ كَمَا تَقُولُ: قَطَّعْتُهُ فَانْقَطَعَ وَقَطَّعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ. فَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ: فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ أَثَرُهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا وَالْفِعْلُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا قَابِلًا تَمَّ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ. وَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يُورِثُ طَلَبَهُ وَالْعِلْمُ بِالْمَكْرُوهِ يُورِثُ تَرْكَهُ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى هَذَا الْعِلْمُ: الدَّاعِيَ وَيُقَالُ: الدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِرَادَةِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ وَسَلَامَتِهَا وَأَمَّا مَعَ فَسَادِهَا فَقَدْ يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِاللَّذِيذِ فَلَا يَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَلْ يُؤْلِمُهُ، وَكَذَلِكَ يَلْتَذُّ بِالْمُؤْلِمِ لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ، وَالْفَسَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute