بِنَفْسِهِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ اللَّامَ فَإِنَّ هُنَا قَوْلَهُ: {فَإِيَّايَ} أَتَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: فَلِي. وَقَوْلُهُ هُنَالِكَ {لِرَبِّهِمْ} أَتَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: رَبِّهِمْ فَإِنَّ الضَّمِيرَ الْمُنْفَصِلَ الْمَنْصُوبَ أَكْمَلُ مِنْ ضَمِيرِ الْجَرِّ بِالْيَاءِ وَهُنَاكَ اسْمٌ ظَاهِرٌ فَتَقْوِيَتُهُ بِاللَّامِ أَوْلَى وَأَتَمُّ مِنْ تَجْرِيدِهِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: {إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} وَيُقَالُ: عَبَرْت رُؤْيَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} وَإِنَّمَا يُقَالُ: غِظْته لَا يُقَالُ: غِظْت لَهُ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فَيَقُولُ الْقَائِلُ: مَا أَنْتَ بِمُصَدِّقِ لَنَا أَدْخَلَ فِيهِ اللَّامَ لِكَوْنِهِ اسْمَ فَاعِلٍ وَإِلَّا فَإِنَّمَا يُقَالُ: صَدَّقْته لَا يُقَالُ: صَدَّقْت لَهُ وَلَوْ ذَكَرُوا الْفِعْلَ لَقَالُوا: مَا صَدَّقْتنَا وَهَذَا بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَعَدَّى إلَى الضَّمِيرِ بِاللَّامِ دَائِمًا؛ لَا يُقَالُ: آمَنْته قَطُّ وَإِنَّمَا يُقَالُ: آمَنْت لَهُ كَمَا يُقَالُ: أَقْرَرْت لَهُ فَكَانَ تَفْسِيرُهُ بِلَفْظِ الْإِقْرَارِ أَقْرَبَ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِلَفْظِ التَّصْدِيقِ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا. (الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادِفًا لِلَفْظِ التَّصْدِيقِ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ غَيْبٍ يُقَالُ لَهُ فِي اللُّغَةِ: صَدَقْت كَمَا يُقَالُ: كَذَبْت. فَمَنْ قَالَ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا قِيلَ لَهُ: صَدَقَ كَمَا يُقَالُ: كَذَبَ وَأَمَّا لَفْظُ الْإِيمَانِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْخَبَرِ عَنْ غَائِبٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ أَنَّهُ يُقَالُ: آمَنَّاهُ كَمَا يُقَالُ: صَدَّقْنَاهُ وَلِهَذَا؛ الْمُحَدِّثُونَ وَالشُّهُودُ وَنَحْوُهُمْ؛ يُقَالُ: صَدَّقْنَاهُمْ؛ وَمَا يُقَالُ آمَنَّا لَهُمْ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَمْنِ. فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي خَبَرٍ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُخْبِرُ كَالْأَمْرِ الْغَائِبِ الَّذِي يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُخْبِرُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ لَفْظُ آمَنَ لَهُ إلَّا فِي هَذَا النَّوْعِ؛ وَالِاثْنَانِ إذَا اشْتَرَكَا فِي مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute