للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جِسْمٍ؛ فَهُمَا شَيْئَانِ مُنْفَرِدَانِ؛ وَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَالْمَعْنَى مُنْفَصِلَانِ؛ وَمَثَلُهُمَا أَيْضًا مَثَلُ حَبَّةٍ لَهَا ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَهِيَ وَاحِدَةٌ. لَا يُقَالُ: حَبَّتَانِ: لِتَفَاوُتِ صِفَتِهِمَا. فَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ هُوَ ظَاهِرُ الْإِيمَانِ؛ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ؛ وَالْإِيمَانُ بَاطِنُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ؛ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ} وَفِي لَفْظٍ: {الْإِيمَانُ سِرٌّ} فَالْإِسْلَامُ أَعْمَالُ الْإِيمَانِ؛ وَالْإِيمَانُ عُقُودُ الْإِسْلَامِ؛ فَلَا إيمَانَ إلَّا بِعَمَلِ؛ وَلَا عَمَلَ إلَّا بِعَقْدِ. وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ أَحَدُهُمَا مُرْتَبِطٌ بِصَاحِبِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَعَمَلِ الْجَوَارِحِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} أَيْ لَا عَمَلَ إلَّا بِعَقْدِ وَقَصْدٍ لِأَنَّ " إنَّمَا " تَحْقِيقٌ لِلشَّيْءِ وَنَفْيٌ لِمَا سِوَاهُ؛ فَأَثْبَتَ بِذَلِكَ عَمَلُ الْجَوَارِحِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ وَعَمَلُ الْقُلُوبِ مِنْ النِّيَّاتِ؛ فَمَثَلُ الْعَمَلِ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ اللِّسَانِ لَا يَصِحُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّفَتَيْنِ تَجْمَعُ الْحُرُوفَ؛ وَاللِّسَانَ يُظْهِرُ الْكَلَامَ؛ وَفِي سُقُوطِ أَحَدِهِمَا بُطْلَانُ الْكَلَامِ؛ وَكَذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعَمَلِ ذَهَابُ الْإِيمَانِ؛ وَلِذَلِكَ حِينَ عَدَّدَ اللَّهُ نِعَمَهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْكَلَامِ ذَكَرَ الشَّفَتَيْنِ مَعَ اللِّسَانِ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} بِمَعْنَى أَلَمْ نَجْعَلْهُ نَاظِرًا مُتَكَلِّمًا؛ فَعَبَّرَ عَنْ الْكَلَامِ بِاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَكَانٌ لَهُ وَذَكَرَ الشَّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي جَرَتْ بِهِ النِّعْمَةُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا. وَمَثَلُ " الْإِيمَانِ " و " الْإِسْلَامِ " أَيْضًا كَفُسْطَاطِ قَائِمٍ فِي الْأَرْضِ لَهُ ظَاهِرٌ