وَابْنِ عُيَيْنَة وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فِيمَا يَرْوِيه عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فَكَانُوا يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ. وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَثْنِي لِأَجْلِ الْمُوَافَاةِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ إنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِمَا يُوَافِي بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ؛ بَلْ صَرَّحَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَشْهَدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَشْهَدُونَ لَهَا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَهُ وَهُوَ تَزْكِيَةٌ لِأَنْفُسِهِمْ بِلَا عِلْمٍ؛ كَمَا سَنَذْكُرُ أَقْوَالَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُوَافَاةُ؛ فَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ عَلَّلَ بِهَا الِاسْتِثْنَاءَ وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يُعَلِّلُ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ؛ كَمَا يُعَلِّلُ بِهَا نُظَّارُهُمْ كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلَ سَلَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا قُلْتُمْ إنَّ الْإِيمَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَا وَصَفْتُمُوهُ بِشَرَائِطِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنْ اللُّغَةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُكُمْ إنَّ الْإِيمَانَ لُغَوِيٌّ؟ قُلْنَا الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ لُغَةً وَشَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ ضَمَّ إلَى التَّصْدِيقِ أَوْصَافًا وَشَرَائِطَ: مَجْمُوعُهَا يَصِيرُ مَجْزِيًّا مَقْبُولًا كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الدُّعَاءُ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ ضَمَّ إلَيْهَا شَرَائِطَ. فَيُقَالُ: هَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرُوهُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا زَعَمُوا أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَالشَّرْعُ لَمْ يُغَيِّرْهُ أَوْرَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute